الثقافة الجنسية في التصور الإسلامي


الثقافة الجنسية في التصور الإسلامي
يؤمن المسلم بأن الله تعالى هو الخالق الواحد الأحد الذي خلق الكون والحياة وكرّم الإنسان بأن نفخ فيه من روحه، ثم ميزه عن باقي مخلوقاته بنعمة العقل مناط التفكير، وأنزل له الدين ليضبط حركة العقل ويوسع مداركه.. كما أعطاه حرية اختيار الدين بعد أن وضح له حكمة الأديان في حينها وختمها بالإسلام أكمل الرسالات (إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسْلامُ) ، (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً)..ويشكر المسلم ربه أن وضَّح وفصَّل له الإسلام من عقيدة، وعبادة، ومعاملات، وتشريعات بما يضبط تفكيره، واعتقاده، وسلوكه، وحياته بشكل متكامل ومتوازن، وجعل معيار القبول: التقوى "إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ". والتصور الإسلامي للإنسان أنه روح وجسد معًا، ومن ثمَّ اهتمت التربية الإسلامية بمراعاة الجوانب الأساسية في تكوين المسلم منذ ميلاده مثل الجانب الإيماني، والخلقي، والعقلي، والجسمي، والجنسي، والاجتماعي..وحرصت على تطعيم الإنسان بالأمصال الوقائية في كافة الجوانب لتجنيبه المشكلات فيما يسمي بالتربية الوقائية، كما قدمت طروحات فريدة علاجية لأي مشكلة أو أزمة تواجه الإنسان؛ ذلك لأن التربية الإسلامية تستمد معطياتها من المنهج الرباني الفريد كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ).
والتربية الإسلامية في اهتمامها بجوانب تربية وتزكية الإنسان لا تعرف التبعيض والنظرة الأحادية، بل تعمل جاهدة على تحقيق التناغم والتوازن والانسجام بين كل هذه الجوانب، مثل الأواني المستطرقة..الجوانب كلها تتساند وتتعاون وتغذي بعضها بعضها لتدفع بالإنسان في طريق الاستخلاف سويًّا ناضجًا متفردًا على هدى من ربه وبصيرة (أَفَمَن يَمْشِي مُكِباً عَلَى وجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِياً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
إنسان التربية الإسلامية يؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الأخر، والقضاء والقدر بخيره وشره، ويتصل بالله عن طريق إقامة الشعائر عن طهارة حسية ونفسية وتدبر القرآن والكون ودوام الذكر والفكر..وتنعكس هذه الصلة المطمئنة (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ) على علاقته بالناس والكون والأحياء من حوله فيتمسك بالفضائل ومكارم الأخلاق وينأى عن الرذائل وسفاسف الأمور.. وهو في ذلك ينمي مدركاته العقلية بالمعرفة والعلم والسعي لعمارة الأرض، تعينه الصحة النفسية السوية مع عافية بدنية يعرف حقها "إن لبدنك عليك حقاً" كما في التوجيه النبوي على أداء واجباته الأسرية والمجتمعية بشكل متناغم وفعال حتى يصل إلى قمة العطاء والمسئولية: الشهادة على الناس كافة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ..)
إنسان التربية الإسلامية مفطور مثل غيره من البشر على الجانب الغريزي..إنها فطرة ربانية أودعها الله تعالى إياه وتتعهدها التربية الإسلامية بالرعاية والعناية حتى تصل إلى المرحلة التي يستطيع بها وضعها في حلها فيثاب ويؤجر لدوام الاستخلاف وعمارة الأرض.
التربية الإسلامية تؤكد على أهمية أن يستعد الوالدان لتربية الأبناء قبل أن يولدوا؛ لمعرفة أفضل الأساليب والوسائل في جوانب التربية، خاصة التربية الوقائية لكافة الجوانب وبالأخص الجانب الجنسي، وفي أسلوب الحب والترغيب والتوضيح يتعلم الصغار آداب لمس الجسد واحترامه، وحدود العورة، وآداب قضاء الحاجة وآداب النوم، وآداب اللعب مع الصغار مع البعد عن الاحتكاك الجسدي..وعندما يكبر الصغار قليلاً هناك آداب اللباس، وآداب الاستئذان وآداب لاختلاط الجنسين وآداب التفريق في المضاجع..كما أن هناك إجابات واضحة وعلمية عن الأسئلة والمخاوف والفضول المرتبط بالجنس تعطي للطفل حسب سنه ومدركاته (الجرعة على قدر الطلب والحاجة) ..وعندما يشارف الطفل سن البلوغ هناك شرح لوظائف جسم الإنسان والتغيرات التي ستطرأ عليه بشكل علمي ومبسط وطبيعي ليتقبل الطفل هذه التغيرات بشكل طيب ويعلم الأحكام الشرعية من طهارة وتكاليف مترتبة عليها، وهنا تبدأ التأكيدات على أهمية غض البصر والبعد عن المثيرات السمعية والبصرية ما أمكن، وإعلاء الجانب الإيماني عن طريق التذكير برقابة ومعية الله، والصوم واستفراغ الطاقة فيما عمل أو حرفة أو أعمال البر، مع ربط الولد والبنت بالمساجد والصحبة الصالحة ودروس العلماء، وشغل أوقات الفراغ بما يعود بالنفع على الفرد وأسرته ومجتمعه إن تيسر، مع تشجيع اليافعين على ممارسة الرياضة وارتياد المعسكرات والرحلات والأنشطة التطوعية..كما تعمل التربية الإسلامية على تبصير هذه الشريحة بالعقبات المنهي عن الاقتراب منها وما تحمل من عواقب وخيمة:(ولا تَقْرَبُوا الزِّنَى) أو العلاقات المنحرفة الشاذة، وتفتح في المقابل الباب للتشجيع على الزواج؛ للإحصان إن استطاع الفرد المقدرة، بل وحث المجتمع على تقليل موانع الزواج وتيسير سبله..
وعندما يقبل الفتى أو الفتاة على الزواج توفر لهم التربية الإسلامية الجانب التثقيفى الخاص بتلك العلاقة النظيفة الجميلة التي امتن الله بها على عباده وجعلها آية من آياته (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)، فيعرف الزوجان الحقوق والواجبات لكل منهما، والحقوق والواجبات المشتركة ويتعرفان على آداب تلك الصحبة والمعاشرة بالمعروف والإحسان؛ لتبقى العلاقة الزوجية محفوفة بالعلم الصحيح ومصونة من الابتذال والعبث والتدني: بل إن التربية الإسلامية حافلة بالنصوص من القرآن الكريم والسنة المطهرة توضح الثقافة الجنسية المشروعة بعيدًا عن اللبس أو الفهم المغلوط كما أفرد لذلك "عبد الحليم أبو شقة" الجزء السادس من موسوعته "تحرير المرأة في عصر الرسالة" على سبيل المثال هذه بعض ملامح ثقافتنا في الجانب الجنسي في مراحل الفرد المتعاقبة، ولسنا في حاجة إلى فرض الوصاية علينا من أحد وتعليمنا كيف نحيا وخاصة في تلك الجوانب الأخلاقية التي تستمد معيارها مباشرة من القرآن الكريم والسنة النبوية كشأن ثقافتنا الإسلامية ككل متكامل..
إن النقطة المفصلية بين ثقافتنا والثقافة الغالبة اليوم أننا نستمد مرجعيتنا من المنهج الرباني في الفكر والتصور، وهم يستمدون مرجعيتهم من النظريات والفلسفات الإنسانية المتعددة..
نحن نؤمن بأن الإنسان لم يخلق عبثًا، وأن نموه مرحليًا وطبيعيًا من حقة علينا ومن سنة الكون، أما الحضارة أو الثقافة الغالبة فهي تخلط بين الأوراق وتنادي بتقديم ثقافة مرحلة لمرحلة وكأنها تعتسف النمو الطبيعي للإنسان وتنتزع براءته قسرًا تحت مزاعم الحرية وتقذف به إلى ممارسات بهيمية تحت مسمى الحرية الجنسية، دون النظر إلى العواقب الوخيمة لهذه القسوة على حياة الأفراد والمجتمعات والتي تعترف هي ذاتها بالإحصاءات المخيفة عن جراثيم الاغتصاب والأطفال اللقطاء والشذوذ والمخدرات والدعارة والطلاق والقتل والأمراض العصبية والنفسية والجنسية.
إن الثقافة الغالبة اليوم وصلت إلى ذروة العلو في سفينة الحياة وهذا أعماها عن البصر في خروقات رهيبة في قاع السفينة، بل وتحلم أن تصيبنا هذه الخروقات وعن طريق وكلائها المحليين من مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والأجهزة التشريعية في البلدان المستهدفة تعمل جاهدة ومهددة أيضا لاختراق مؤسسة الأسرة عن طريق تصدير تلك المفاهيم والمصطلحات الفاسدة!
لم يعد لدينا إلا المقاومة الثقافية وسيلة لمجابهة المشروع الغربي الضاغط، وهذه المقاومة تتطلب منا الوعي من مخططات الآخر وثقافته، وتجلية المفاهيم والمعتقدات في ثقافتنا وتقديمها للناس كافة. عبر وسائل الإعلام ومناهج التعليم وجهود العلماء والمفكرين والمخلصين من أبناء هذه الأمة التي تملك رصيدًا فطريًا هائلاً لتبني المشروع الإسلامي الذي يحقق مزيد من الانتشار والتأييد مقابل المشروع الغربي..ومن أبجديات المقاومة الثقافية أيضًا الاهتمام بالتربية الوالدية داخل أسرنا وتبصير المربيين والمعلمين بالخطر الزاحف على حصوننا الداخلية ورفع الوعي بمخططات الثقافة الغالبة
لم يعد لدينا الا المقاومة الثقافية وسيلة لمجابهة المشروع الغربي الضاغط، وهذه المقاومة تتطلب منا الوعي والحذر من مخططات الآخر وثقافته، وتجلية المفاهيم والمعتقدات في ثقافتنا وتقديمها للناس كافة وهذا لن يتم إلا بتضافر جهود الِأسرة ومؤسسات المجتمع المختلفة؛ لتشكيل حائط الصد أمام الهجمة الوافدة، وتعزيز الدفاعات الثقافية لدى أبناء الأمة.
يجب على الوالدين الانتباه إلى دورهما التربوي الكبير في تنشئة وتربية الأولاد على القيم والثقافة الإسلامية وإكسابهم الحصانة الفكرية والنفسية وتعزيز الهوية والانتماء إلى الإسلام كمنهج حياة، وتبصيرهم بالمخاطر التي تستهدف حاضرهم ومستقبلهم وتجنيبهم الانسياق وراء تلك الدعاوى الهدامة التي تحاصرهم إعلاميًا وثقافيًا.
وينبغي على مؤسسات التعليم أن تعمل جاهدة لترسيخ الثقافة الإسلامية عن طريق المناهج التعليمية العلمية والنابعة من هويتنا بعيدًا عن الإملاءات والضغوط الخارجية التي تستهدف دائمًا تحويل مسار محتوى المناهج صوب الأهداف الغربية.. كما يقع على المعلم والقائمين بالأنشطة المدرسية عبئًا كبيرًا في توصيل القيم والأهداف الإسلامية والانتباه إلى مخططات الغرب في الثقافة الجنسية وآليات تطبيقها لدى الصغار والشباب عن طريق الإعلام والثقافة والمناهج والمناشط المدرسية.
كما نتمنى على العاملين في المؤسسات الصحية والأطباء توخي الحذر من مصطلحات ومفاهيم الصحة الإنجابية والجنسية الوافدة ومن مجالات تطبيقاتها في المراكز الصحية وتجمعات المراهقين في المدارس والنوادي.
وهذا الأمر ينسحب على دور مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات وجمعيات أهلية ألا يغيب الوعي والتوعية من برامجها وأنشطتها خاصة أن تلك المؤسسات مستهدفة من قبل الثقافة الغالبة لترويج مبادئها ومخططاتها..
أما عن دور وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية فهو من الخطورة بمكان؛ لأن ترويج مثل هذه الثقافات الخادعة عن طريق البرامج والإعلانات والدراما والقصة والمسلسل والفيلم يجد آذانًا صاغية لدى عامة الناس التي لم ترزق من الوعي إلا القليل، وتسلم قيادة تشكيلها الثقافي إلى هذه الوسائل ذات الفاعلية الكبيرة.
إن أبجديات المقاومة الثقافية تتطلب منا شحذ الهمم ونشر الوعي ووضع استراتيجيات طويلة المدى قادرة على صد وتفنيد الثقافة الغالبة، وباستطاعتها محاورة (الآخر) ومغالبة آرائه الفاسدة، وتعزيز المواقف الدفاعية، ولديها القدرة أيضاً على بناء إنسان العقيدة والفكرة والحياة.

إرسال تعليق

حقوق النشر © HANAN PRESS جميع الحقوق محفوظة
x